فصل: من أقوال المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{وَالتين والزيتون (1) وَطُورِ سينين (2) وَهَذَا البلد الأمين (3)}
اعلم أن الإشكال هو أن التين والزيتون ليسا من الأمور الشريفة، فكيف يليق أن يقسم الله تعالى بهما؟ فلأجل هذا السؤال حصل فيه قولان:
الأول:
أن المراد من {التين والزيتون} هذان الشيئان المشهوران، قال ابن عباس: هو تينكم وزيتونكم هذا.
ثم ذكروا من خواص التين والزيتون أشياء.
أما التين فقالوا إنه غذاء وفاكهة ودواء، أما كونه غذاء فالأطباء زعموا أنه طعام لطيف سريع الهضم لا يمكث في المعدة يلين الطبع ويخرج الترشح ويقلل البلغم ويطهر الكليتين ويزيل ما في المثانة من الرمل ويسمن البدن ويفتح مسام الكبد والطحال وهو خير الفواكه وأحمدها.
وروى أنه أهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم طبق من تين فأكل منه، ثم قال لأصحابه: «كلوا فلو قلت إن فاكهة نزلت من الجنة لقلت هذه لأن فاكهة الجنة بلا عجم فكلوها فإنها تقطع البواسير وتنفع من النقرس».
وعن علي بن موسى الرضا عليهما السلام: التين يزيل نكهة الفم ويطول الشعر وهو أمان من الفالج، وأما كونه دواء، فلأنه يتداوى به في إخراج فضول البدن.
واعلم أن لها بعدما ذكرنا خواص:
أحدها: أن ظاهرها كباطنها ليست كالجوز ظاهره قشر ولا كالتمر باطنه قشر، بل نقول: إن من الثمار ما يخبث ظاهره ويطيب باطنه، كالجوز والبطيخ ومنه ما يطيب ظاهره دون باطنه كالتمر والإجاص.
أما التين فإنه طيب الظاهر والباطن.
وثانيها: أن الأشجار ثلاثة: شجرة تعد وتخلف وهي شجرة الخلاف، وثانية تعد وتفي وهي التي تأتي بالنور أولاً بعده بالثمر كالتفاح وغيره، وشجرة تبذل قبل الوعد، وهي التين لأنها تخرج الثمرة قبل أن تعد بالورد، بل لو غيرت العبارة لقلت هي شجرة تظهر المعنى قبل الدعوى، بل لك أن تقول: إنها شجرة تخرج الثمرة قبل أن تلبس نفسها بورد أو بورق، والتفاح والمشمش وغيرهما تبدأ بنفسها، ثم بغيرها، أما شجرة التين فإنها تهتم بغيرها قبل اهتمامها بنفسها، فسائر الأشجار كأرباب المعاملة في قوله عليه السلام: «إبدأ بنفسك ثم بمن تعول» وشجرة التين كالمصطفى عليه السلام كان يبدأ بغيره فإن فضل صرفه إلى نفسه، بل من الذين أنثى الله عليهم في قوله: {وَيُؤْثِرُونَ على أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر: 9].
وثالثها: أن من خواص هذه الشجرة أن سائر الأشجار إذا اسقطت الثمرة من موضعها لم تعد في تلك السنة، إلا التين فإنه يعيد البذر وربما سقط ثم يعود مرة أخرى ورابعها: أن التين في النوم رجل خير غني فمن نالها في المنام نال مالاً وسعة، ومن أكلها رزقه الله أولاداً وخامسها: روى أن آدم عليه السلام لما عصى وفارقته ثيابه تستر بورق التين، وروى أنه لما نزل وكان متزراً بورق التين استوحش فطاف الظباء حوله فاستأنس بها فأطعمها بعض ورق التين، فرزقها الله الجمال صورة والملاحة معنى وغير دمها مسكاً، فلما تفرقت الظباء إلى مساكنها رأى غيرها عليها من الجمال ما أعجبها، فلما كانت من الغد جاءت الظباء على أثر الأولى إلى آدم فأطعمها من الورق فغير الله حالها إلى الجمال دون المسك، وذلك لأن الأولى جاءت لآدم لا إجل الطمع والطائفة الأخرى جاءت للطمع سراً وإلى آدم ظاهرة، فلا جرم غير الظاهر دون الباطن، وأما الزيتون فشجرته هي الشجرة المباركة فاكهة من وجه وإدام من وجه ودواء من وجه، وهي في أغلب البلاد لا تحتاح إلى تربية الناس، ثم لا تقتصر منفعتها غذاء بدنك، بل هي غذاء السراج أيضاً وتولدها في الجبال التي لا توجد فيها شيء من الدهنية ألبتة، وقيل: من أخذ ورق الزيتون في المنام استمسك بالعروة الوثقى، وقال مريض لابن سيرين: رأيت في المنام كأنه قيل لي: كل اللامين تشف، فقال: كل الزيتون فإنه لا شرقية ولا غربية، ثم قال المفسرون: التي والزيتون اسم لهذين المأكولين وفيهما هذه المنافع الجليلة، فوجب إجراء اللفظ على الظاهر، والجزم بأن الله تعالى أقسم بهما لما فيهما هذه المصالح والمنافع.
القول الثاني:
أنه ليس المراد هاتين الثمرتين، ثم ذكروا وجوهاً أحدها: قال ابن عباس: هما جبلان من الأرض المقدسة، يقال لهما: بالسريانية طور تيناً، وطور زيتاً، لأنهما منبتا التين والزيتون، فكأنه تعالى أقسم بمنابت الأنبياء، فالجبل المختص بـ: {التين} لعيسى عليه السلام.
و{الزيتون} الشام مبعث أكثر أنبياء بني إسرائيل، والطور مبعث موسى عليه السلام، و{البلد الأمين} مبعث محمد صلى الله عليه وسلم، فيكون المراد من القسم في الحقيقة تعظيم الأنبياء وإعلاء درجاتهم.
وثانيها: أن المراد من {التين والزيتون} مسجدان، ثم قال ابن زيد: {التين} مسجد دمشق و{الزيتون} مسجد بيت المقدس، وقال آخرون: {التين} مسجد أصحاب أهل الكف، و{الزيتون} مسجد إيليا، وعن ابن عباس {التين} مسجد نوح المبني على الجودي، و{الزيتون} مسجد بيت المقدس، والقائلون بهذا القول إنما ذهبوا إليه لأن القسم بالمسجد {أحسن} لأنه موضع العبادة والطاعة، فلما كانت هذه المساجد في هذه المواضع التي يكثر فيها {التين والزيتون}، لا جرم اكتفى بذكر {التين والزيتون}.
وثالثها: المراد من {التين والزيتون} بلدان، فقال كعب: {التين} دمشق و{الزيتون} بيت المقدس، وقال شهر بن حوشب: {التين} الكوفة، و{الزيتون} الشام، وعن الربيع هما جبلان بين همدان وحلوان، والقائلون بهذا القول، إنما ذهبوا إليه لأن اليهود والنصارى والمسلمين ومشركي قريش كل واحد منهم يعظم بلدة من هذه البلاد، فالله تعالى أقسم بهذه البلاد بأسرها، أو يقال: إن دمشق وبيت المقدس فيهما نعم الدنيا، والطور ومكة فيهما نعم الدين.
أما قوله تعالى: {وَطُورِ سينين} فالمراد من الطور الجبل الذي كلم الله تعالى موسى عليه السلام عليه، واختلفوا في {سينين} والأولى عند النحويين أن يكون سينين وسينا اسمين للمكان الذي حصل فيه الجبل أو أضيفا إلى ذلك المكان، وأما المفسرون فقال ابن عباس في رواية عكرمة: الطور الجبل و{سينين} الحسن بلغة الحبشة، وقال مجاهد: {وَطُورِ سينين} المبارك، وقال الكلبي: هو الجبل المشجر ذو الشجر، وقال مقاتل: كل جبل فيه شجر مثمر فهو سينين وسينا بلغة النبط قال الواحدي: والأولى أن يكون {سينين} اسماً للمكان الذي به الجبل، ثم لذلك سمي {سينين} أو سيناً لحسنه أو لكونه مباركاً، ولا يجوز أن يكون {سينين} نعتاً للطور لإضافته إليه.
أما قوله تعالى: {وهذا البلد الأمين} فالمراد مكة والأمين: الآمن قال صاحب (الكشاف): من أمن الرجل أمانة فهو أمين وأمانته أن يحفظ من دخله كما يحفظ الأمين ما يؤتمن عليه، ويجوز أن يكون فعيلاً بمعنى مفعول من أمنه لأنه مأمون الغوائل، كما وصف بالأمن في قوله: {حَرَماً ءامِناً} [العنكبوت: 67] يعني ذا أمن، وذكروا في كونه أميناً وجوهاً أحدها: أن الله تعالى حفظه عن الفيل على ما يأتيك شرحه إن شاء الله تعالى.
وثانيها: أنها تحفظ لك جميع الأشياء فمباح الدم عند الالتجاء إليها آمن من السباع والصيود تستفيد منها الحفظ عند الالتجاء إليها.
وثالثها: ما روى أن عمر كان يقبل الحجر، ويقول: إنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك، فقال له على عليه السلام: إما أنه يضر وينفع إن الله تعالى لما أخذ على ذرية آدم الميثاق كتبه في رق أبيض، وكان لهذا الركن يومئذ لسان وشفتان وعينان، فقال: افتح فاك فألقمه ذلك الرق وقال: تشهد لمن وافاك بالموافاة إلى يوم القيامة، فقال عمر: لأبقيت في قوم لست فيهم يا أبا الحسن.
{لَقَدْ خلقنا الإنسان فِي أحسن تقويم (4)}
المراد من {الإنسان} هذه الماهية والتقويم تصبير الشيء على ما ينبغي أن يكون في التألف والتعديل، يقال: قومته تقويماً فاستقام وتقوم، وذكروا في شرح ذلك الحسن وجوهاً أحدها: أنه تعالى خلق كل ذي روح مكباً على وجهه إلا الإنسان فإنه تعالى خلقه مديد القامة يتناول مأكوله بيده وقال الأصم: في أكمل عقل وفهم وأدب وعلم وبيان، والحاصل أن القول الأول راجع إلى الصورة الظاهرة، والثاني إلى السيرة الباطنة، وعن يحيى بن أكثم القاضي أنه فسر التقويم بحسن الصورة، فإنه حكى أن ملك زمانه خلا بزوجته في ليلة مقمرة، فقال: إن لم تكوني أحسن من القمر فأنت كذا، فأفتى الكل بالحنث إلا يحيى بن أكثم فإنه قال: لا يحنث، فقيل له: خالفت شيوخك، فقال: الفتوى بالعلم ولقد أفتى من هو أعلم منا وهو الله تعالى فإنه يقوله: {لَقَدْ خلقنا الإنسان في أحسن تقويم} وكان بعض الصالحين يقول: إلهنا أعطيتنا في الأولى أحسن الأشكال، فأعطنا في الآخرة أحسن الفعال، وهو العفو عن الذنوب، والتجاوز عن العيوب. اهـ.

.قال الألوسي:

{والتين والزيتون وَطُورِ سينين وهذا البلد الأمين}
إقسام ببقاع مباركة شريفة على ما ذهب إليه كثير فأما {البلد الأمين} فمكة حماها الله تعالى بلا خلاف وجاء في حديث مرفوع وهو مكان البيت الذي هو هدى للعالمين ومولد رسول الله صلى الله عليه وسلم ومبعثه و{الأمين} فعيل اما بمعنى فاعل أي الآمن من أمن الرجل بضم الميم أمانة فهو أمين وجاء أمان أيضاً كما جاء كريم وكرام ولم يسمع آمن اسم فاعل وسمع على معنى النسب كما في قوله تعالى: {حرماً آمناً} [القصص: 57] بمعنى ذي أمن وأمانته أن يحفظ من دخله كما يحفظ الأمين ما يؤتمن عليه ففيه تشبيه بالرجل الأمين وأما بمعنى مفعول أي المأمون من أمته أي لم يخفه ونسبته إلى البلد مجازية والمأمون حقيقة الناس أي لا تخاف غوائلهم فيه أو الكلام على الحذف والإيصال أي المأمون فيه من الغوائل.
واقحام اسم الإشارة للتعظيم وأما {طور سينين} فالجبل الذي كلم الله تعالى شأنه موسى عليه السلام عليه ويقال له طور سيناء بكسر السين والمد وبفتحها والمد وقد قرأ بالأول هنا بدل {سينين} عمر بن الخطاب وعبد الله وطلحة والحسن وبالثاني عمر أيضاً وزيد بن علي و{طور سينين} بفتح السين وهي لغة بكر وتميم وقد قرأ بها ابن أبي إسحاق وعمرو بن ميمون وأبو رجاء وفي البحر أنه لم يختلف في أنه جبل بالشام وتعقبه الشهاب بأنه خلاف المشهور فإن المعروف اليوم بطور سينا ما هو بقرب التيه بين مصر والعقبة و{سينين} قيل اسم للبقعة التي فيها الجبل أضيف إليه الطور ويعامل في الإعراب معاملة بيرون ونحوه فيعرب بالواو والياء ويقر على الياء وتحرك النون بحركات الإعراب وقال الأخفش {سينين} جمع بمعنى شجر واحدته سينة فكأنه قيل طور الأشجار وأخرج ابن أبي حاتم وابن المنذر وعبد بن حميد عن ابن عباس أنه قال: {سينين} هو الحسن.
وأخرج عبد بن حميد نحوه عن الضحاك وكذلك أخرج هو وجماعة عن عكرمة بزيادة بلسان الحبشة وأخرج هو أيضاً وابن جرير وابن عساكر وغيرهما عن قتادة أنه قال: {سينين} مبارك حسن ذو شجر والإضافة على ما ذكر من إضافة الصفة إلى الموصوف واما {التين والزيتون} فروي جماعة عن قتادة أن الأول منهما الجبل الذي عليه دمشق والثاني الجبل الذي عليه بيت المقدس.
ويقال على ما أخرج سعيد بن منصور وابن أبي حاتم عن أبي حبيب الحرث بن محمد للأول طور تينا وللثاني طور زيتا وذلك لأنهما منبتا التين والزيتون وكان الكلام على هذا اما على حذف مضاف أو على التجوز بأن يكون قد تجوز بـ: {التين والزيتون} عن منبتيهما.
وشاع ذلك وأخرج عبد بن حميد عن أبي عبد الله الفارسي أن {التين} مسجد دمشق و{الزيتون} بين المقدس ولعل اطلاقهما عليهما لأن فيهما شجراً من جنسهما وعن كعب الأحبار أنهما دمشق وإيلياء بلد بيت المقدس وكأن تسميتهما بذلك من تسمية المحل باسم الحال فيه وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن محمد بن كعب أنهما مسجد أصحاب الكهف ومسجد إيلياء.
وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس أنهما مسجد نوح عليه السلام الذي بني على الجودى وبيت المقدس.
وعن شهر بن حوشب أنهما الكوفة والشام وتعقب بأن الكوفة بلدة إسلامية مصرها سعد بن أبي وقاص في أيام أمير المؤمنين عمر رضي الله تعالى عنه ولعله أراد الأرض التي تسمى اليوم بالكوفة فقد كانت كما في القاموس وغيره منزل نوح عليه السلام.
وقال بعضهم إن الكوفة بلد كانت قبل لكنها خربت فجددت في أيام عمر رضي الله تعالى عنه.
وقيل هما جبال ما بين حلوان وهمدان وجبال الشام لأنهما منابتهما.
وأياً ما كان فالمتعاطفات متناسبة في أن المراد بها أماكن خصوصة وقيل المراد بهما الشجران المعروفان.
وأخرج ابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن ابن عباس أنه قال: {التين والزيتون} الفاكهة التي يأكلها الناس.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وغيرهما عن مجاهد نحوه وحكاه في البحر أيضاً عن إبراهيم النخعي وعطاء بن أبي رباح وجابر بن زيد ومقاتل والكلبي وعكرمة والحسن.
وخصهما الله تعالى على هذا القول بالاقسام بهما من بين الثمار لاختصاصهما بخواص جليلة فإن التين فاكهة طيبة لا فضل لها وغذاء لطيف سريع الانهضام بل قيل إنه أصح الفواكه غذاء إذا أكل على الخلاء ولم يتبع بشيء وهو دواء كثير النفع يفتح السدد ويقوي الكبد ويذهب الطحال وعسر البول وهزال الكلى والخفقان والربو وعسر النفس والسعال وأوجاع الصدر وخشونة القصبة إلى غير ذلك.
وعن علي الرضا بن موسى الكاظم على جدهما وعليهما السلام أنه يزيل نكهة الفم ويطول الشعر وهو أمان من الفالج.
وروي أبو ذر أنه أهدى إلى النبي صلى الله عليه وسلم طبق من تين فأكل منه وقال لأصحابه «كلوا فلو قلت إن فاكهة نزلت من الجنة لقلت هذه لأن فاكهة الجنة بلا عجم فكلوها فإنها تقطع البواسير وتنفع من النقرس».
ولم أقف للمحدثين على شيء في هذا الحديث لكن قال داود الطبيب بعد سرد نبذة من خواص التين وفي نفعه من البواسير حديث حسن وذكر أن نفعه من النقرس إذا دق مع دقيق الشعير أو القمح أو الحلبة.
وذكر أنه حينئذ ينفع من الأورام الغليظة وأوجاع المفاصل وله مفرداً ومركباً خواص أخرى كثيرة وكذا لشجرته كما لا يخفى على من راجع كتب الطب وما أشبه شجرته بمؤثر على نفسه وبكريم يفعل ولا يقول وأما {الزيتون} فهو ادام ودواء وفاكهة فيما قيل وقالوا إن المكلس منه لا شيء مثله في الهضم والتسمين وتقوية الأعضاء ويكفيه فضلاً دهنه الذي عم الاصطباح به في المساجد ونحوها مع ما فيه من المنافع كتحسين الألوان وتصفية الاخلاط وشد الأعصاب وكفتح السدد وإخراج الدود والإدرار وتفتيت الحصى واصلاح الكلي شرباً بالماء الحار كقلع البياض وتقوية البصر اكتحالا إلى غير ذلك وشجرته من الشجرة المباركة المشهود لها في التنزيل وإذا تتبعت خواص أجزائها ظهر لك أنها أجدى من تفاريق العصا.
وعن معاذ بن جبل أنه مر بشجرة زيتون فأخذ منها سواكا فاستاك به وقال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول «نعم السواك الزيتون من الشجرة المباركة يطيب الفم ويذهب بالحفرة» وسمعته عليه الصلاة والسلام يقول «هو سواكي وسواك الأنبياء عليهم السلام قبلى» وقال بعضهم أن تفسيرهما بما ذكر هو الصحيح وكان المراد عليه تين تلك الأماكن المقدسة وزيتونها والغرض من القسم بتلك الأشياء الإبانة عن شرف البقاع المباركة وما ظهر فيها من الخير والبركة ويرجع إلى القسم بالأرض المباركة وبالبلد الأمين وفيه رمز إلى فضل البلد كما يشعر به كلام صاحب الكشاف وبين ذلك في الكشف بقوله وذلك أنه فصل بركتي الأرض المقدسة الدنيوية والدينية بذكر الشجرتين أو ثمرتيهما والطور الذي نودي منه موسى عليه السلام وناب المجموع مناب والأرض المباركة على سبيل الكناية فظهر التناسب في العطف على وجه بين إذ عطف البلد على مجموع الثلاثة لأنها كالفرد بهذا الاعتبار كأنه قيل والأرض التي باركنا فيها دينا ودنيا والبلد الآمن من دخله في الدارين وذلك بركة يتضاءل دونها كل بركة يتضائل دونها كل بركة ويتضمن ذلك أن شرف تلك البقاع بمنجاة موسى عليه السلام ربه عز وجل أياماً معدودة وكم نوجيت في البلد الأمين ثم قال والحمل على الظاهر أريد المنابت أو الشجر أن يفوته المناسبة بين الأولين و{البلد الأمين} لأن مناسبة {طور سينين} للبلد غير مناسبته لهما والكلام مسوق للأول انتهى فتأمل فإنه دقيق.
وأياً ما كان فجواب القسم قوله تعالى: {لَقَدْ خلقنا الإنسان} الخ.
وأريد بـ: {الإنسان} الجنس فهو شامل للمؤمن والكافر لا مخصوص بالثاني واستدل عليه بصحة الاستثناء وان الأصل فيه الاتصال وقوله تعالى: {فِى أحسن تقويم} في موضع الحال من {الإنسان} أي كائناً في تقويم أحسن تقويم والتقويم التثقيف والتعديل وهو فعل الله عز وجل فمعنى كون الإنسان كائناً في ذلك على ما قيل إنه ملتبس به نظير قولك فلان في رضا زيد بمعنى أنه مرضي عنه.
وقال الخفاجي هو مؤول بمعنى القوام أو المقوم وفيه مضاف مقدر أي قوام أحسن تقويم أو في زائدة وما بعدها في موضع المفعول المطلق وقد ناب فيه عن المصدر صفته والتقدير قومناه تقويماً أحسن تقويم والمراد بذلك جعله على أحسن ما يكون صورة ومعنى فيشمل ماله من انتصاب القامة وحسن الصورة والإحساس وجودة العقل وغير ذلك ومن أمعن نظره في أمره وأجال فكره في دقائق ظاهره وسره رآه كما قال بعض الأجلة مجمع مجرى الغيب والشهادة ومطلع نيري فلكي الإفادة والاستفادة والنسخة الجامعة لما في رسائل إخوان الصفا وسائر المتون والشارح بسطورطروس العجائب الإلهية المودعة فيه لما كان وسيكون وظهر له صدق ما قيل ونسب لعلي كرم الله تعالى وجهه:
دواؤك فيك ولا تشعر ** وداؤك منك وما تبصر

وتزعم انك جرم صغير ** وفيك انطوى العالم الأكبر

ومما يدل على أحسنية تقويمه إن الله تعالى رسم فيه من الصفات ما تذكره صفاته عز وجل وتدله عليها فجعله عالماً مريداً قادراً إلى غير ذلك وقال تعالى تخلقوا بأخلاق الله لئلا يتوهم ان ما للسيد على العبد حرام ويكفي في هذا الباب وهو القول الفصل إن الله تعالى خلقه بيديه وأمر سبحانه ملائكته عليهم السلام بالسجود له وهم المكرمون لديه وجاء إن الله تعالى خلق آدم على صورته وفي رواية على صورة الرحمن وهي تأبى احتمال عود الضمير على آدم على معنى خلقه غير متنقل في الأطوار كينية ولكونه النسخة الجامعة.
قال يحيى بن معاذ الرازي من عرف نفسه فقد عرف ربه والناس يزعمونه حديثاً وليس كما قال النووي بثابت وعن يحيى بن أكثم وبعض الحنفية أنهما أفتيا من قال لزوجته إن لم تكوني أحسن من القمر فأنت طالق بعد وقوع الطلاق واستدلا بهذه الآية في قصة مشهورة وللشعراء في تفضيل معشوقهم على القمر ليلة تمه ما يضيق عنه نطاق الحصر والحق أن الفرق مثل الصبح ظاهر. اهـ.